تجريم الأمومة والأبوّة

كثيرا ما نسمع عبارة توجّه للعوائل التي تعاني الفقر والعوز: “مادُمت فقيرا فلماذا تنجب أطفالا؟” وتحمّلهم مسؤولية تبعات هذا القرار وتزيد عليهم الأعباء النفسية والاقتصادية والاجتماعية.

كمية كبيرة من التنمر والعنف تنهمر على أرباب الأسر الفقيرة وكأن الإنجاب بالنسبة لهم تهور بينما للأغنياء امتياز، فمن قال بأنَّ ليس للفقير حقّ الانجاب؟ فهل معايير الأمومة والأبوّة مرتبطة بالإنتاجية الاقتصادية أم القيمة الإنسانية؟

هذه نظرة تمييزية تُسكت الفقراء بإسم “المنطق الاقتصادي” وتجرّم فيهم حتى أحقّ الحقوق “الأبوّة والأمومة”، فلا أحد أسمى من أحد لمجرد أنَّه يمتلك مالا أكثر، فالفقر لا يُلغي إنسانية الفرد ولا يسحب منه حق الأحلام ومشاركة الحياة.

لماذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): “لو كان الفقر رجلا لقتلته”؟ لأنَّ الأزمة ليست في الفقر بل في صورة الفقر التي صنعها المجتمع التي تسحق كرامة الفرد، واختفاء بساطة التواضع والتكافل، وتصنيف الناس بحسب ثرواتهم لا مروءتهم،

عشنا زمنا كان فيه غالبية الناس من الفقراء ولكنهم سعداء، ليس لأنَّ همّ الفقر مشترك، ولكن لأنَّ المنظور أوسع والقناعة أكبر، والإيمان بأنَّ الرزق من عند الله مادام الإنسان يسعى، والخير لا يخص وإنما يعمّ، وللجميع نصيب مما أعطاه الله، والكل كان حامدا وشاكرا وفي ذات الوقت كادحا وعاملا.

بدلا من تلويم الأهل وزيادة الأعباء النفسية عليهم، هل رجعنا الى أسباب هذه العبارة المتنمّرة وحاولنا معرفة مصدرها وماذا نقترح لمعالجة هذا التصنيف الظالم؟

هل يمكن كتابة “ميثاق أخلاقي” مجتمعي جديد يُعطي الحق للإنسان أن يُعبّر عن أبوّته مهما كان وضعه الاقتصادي ويُعيد تقييم الكرامة خارج مقاييس السوق؟

وأيضا بالتأكيد نحتاج إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية وإصلاحها وفق قيم دينية وإنسانية عادلة لا مما تعلمناها من نظريات الاقتصاد والإدارة الغربية المستوردة، كما يجب ضرورة تقويم نمط الحياة الاستهلاكي الذي فرضته علينا وسائل الإعلام وكأنه معيار السعادة.

أخيرا، من يملك الحق في أن “يقرر” لمن تُمنح الأبوّة أو الأمومة”؟

ولعل الجواب الأكثر نبلاً ليس في المال والاقتصاد، بل في الاعتراف الإنساني بأن الحياة حقّ لمن يريد أن يعيشها، وأن الكرامة لا تُقاس بالموجودات بل بالموقف.

فالفقر ليس عيبًا، وإنجاب طفل لا يحتاج “ترخيصًا طبقيًّا”، فربما قلوب الفقراء أرحب من خزائن الأغنياء.

بقلم:م.صبا العصفور

مقالات ذات صلة

تدريب أكثر من 600 طفل على مهارات الحماية من التنمر ثمرة شراكة مجتمعية في مشروع “حين تؤذي”

أطلقت مبادرة “نسيم” التابعة لجمعية ملتقى الشباب البحريني مشروعها الرابع في نوفمبر من العام الماضي بعنوان “حين تؤذي” لمناهضة التنمر المدرسي بين الأقران وبشراكة مجتمعية…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *