عقدة الطفولة
تخبرني صديقتي بأنها لا تطيق أكل السمك منذ أن بلغت التاسعة من العمر رغم إنّ والدها صيّاد، وبالنسبة لها السبب معلوم وواضح، فتروي الحكاية بأن والدها عاد يوما من الصيد وطلب منها أن تساعده في حمل الأسماك من السيارة، وبينما كانت تتفحص السمكات، ومن غيرِ درايةٍ و انتباه أنزل والدها غطاء صندوق السيارة على رأسها، ومنذ ذلك اليوم نفرت من السمك ورائحته وطعمه، ورغم أن الموقف حدث في صغرها لكن يبدو بأن مشكلتها كانت واضحة بالنسبة لها وتقبلت عدم حبها لأكل السمك ولم ترغب بتغييره.
ولكن ما حدث لي كان مختلفا، فعندما كنت في الصف الرابع الابتدائي، لم توفر لنا الوزارة كتبا للتربية الإسلامية حينها، وكنا نعتمد ملزمة أوراق مطبوع عليها قصار السور مع معاني الكلمات وبعض الأسئلة لتكون منهجنا للمادة، وفي أحد الأيام وبينما كنتُ أحاول حفظ السورة، زارنا قريب لنا من اللادينيين، ورأى تلك الملزمة فقال: إنها صعبة جدا على أطفال في هذا العمر، ومنذ تلك اللحظة لم أستطع حفظ تلك السورة ولا أية سورة أخرى، وبصعوبة أحرز الدرجة الدنيا للنجاح، واستمر معي هذا الحال لسنوات، ومررت بسببها في تناقضات عديدة، من جانب التزامي الديني ومن جانب آخر نفور من صعوبة كتاب الله! وبعد عناء استطعت تجاوز عقدة صنعها لي أحد الأشخاص المتطفلين في طفولتي.
أما حكاية صديقتي الثانية فكانت قاسية، فهي تكره الشوكولاتة لدرجة الغثيان من غير أن تعرف السبب، وفي إحدى الأمسيات كنّا نشاهد فيلما أجنبيا لطفلة تتعرض للتحرش، وفجأة استنفرت وبدأت بالبكاء بشكل هستيري وأنا في دهشة، فاللقطات غير مؤثرة لتلك الدرجة، وانتظرتها حتى هدأت، فقالت: الآن عرفت سبب نفوري من الشوكولاتة، لقد تذكّرت صاحب البقالة في حيّنا القديم، فقد كان يتحرش بي وأنا صغيرة في السن، وفي كل مرّة يعطيني لوحا من الشوكولاتة لإسكاتي.
كثيرة هي التصرفات والسلوكيات غير المبررة والتي نقوم بها من غير وعي وإدراك، لنكتشف بعدها بأنها عقدة تم غرسها في نفوسنا منذ الطفولة، فلنقف عليها ونتساءل ونبحث ونستذكر ماضينا، فربما كانت بسبب كلمة من فضولي أو لمسة من متحرش أو تنمر من زميل، كي نسعى لفكّها أو تجاوزها أو اقتلاعها للتخلص من آلامها فتستمر حياتنا بسلاسة، ولا نورث تبعاتها لأبنائنا وأحفادنا.
بقلم:م.صبا العصفور
استجابات