عاملات السُخرة

     اعتاد الناس على ترك مبلغ مالي إضافي على الحساب إكرامية للنادل أو النادلة في المطاعم، وكذلك يُكرم المارّة والسوّاق عمال النظافة في الشوارع العامة، ولكن قليلا ما تُكرّم العاملات المعنيات بتنظيف المرافق والخدمات العامة في مراكز التسوّق، وربما تكون هي الفئة الأكثر استضعافا بين كل هؤلاء.

     لعدة سنوات اعتدت على رؤية عاملة من الجالية الآسيوية قائمة على حمّام ومصلّى أحد المجمعات التجارية الكبيرة، ونشأت بيننا نوع من العلاقة الوديّة لمبادرتي بالسلام عليها والسؤال عن أحوالها ، وأحيانا إكرامها بمبلغ نقدي عند انتهائي من استخدام المرفق.

     وفي أحد الأيام سألتها عن ظروف عملها، وكان ردها صادمًا، فهي تعمل لفترة ربما تزيد عن إحدى عشرة ساعة متواصلة يوميا بدون إجازة أسبوعية أو عيد أو أي مناسبة رسمية، بالإضافة لذلك فهي تتكفل بدفع إيجار شهري لسكن مشترك مع أخريات من ذات الجنسية، وبراتب متدنٍ لا أدري كيف تتدبر أمورها به!  

      بعد ذلك أخذتُ بالنظر حولي لرصد ظاهرة العمالة الأجنبية في ذلك المجمع، وإذا بموظفات الأمن  يشتركن معهن في ظروف مشابهة بالنسبة لساعات العمل والالتزامات المعيشية، علاوة على ذلك فغير مسموح لهن الجلوس أثناء المناوبة، إلا خلال الدقائق المخصصة للاستراحة،  بل ويعتبرن دخولهن الحمام هي فترة نقاهة، حيث يمكنهن الجلوس لبضع دقائق، ومن الطبيعي أنْ تشتكي الغالبية منهن آلام الظهر والساقين.

     وبمقارنة بسيطة بين هذه الشريحة من العمالة وخدم المنازل كما يُطلق عليهم في الوثائق الرسمية، فالخادمة تعيش في بيت آمن ولا تحمل همّ المسكن والمأكل وحتى الرعاية الصحية، فالعائلة الكفيلة ترعاها في الغالب بما يرضي الله، وبالتالي يمكنها الادّخار وتأمين حياة كريمة لأسرتها في بلادها.

     قمت بعدها بعمل حسابات بسيطة لتوزيع راتب عاملات المجمعات التجارية بين أجرة سرير في السكن ووجبة يومية وحد أدنى من المصروف الشهري فلم أجده يكفي! فكيف إذا أرادت اقتطاع جزء منه لإعانة أسرتها؟

    وأقل ما علينا عمله و نحن في وسط رفاهية حياتنا،  أن نعيد النظر لهذه الفئة التي تركت ديارها ، وربما أحلامها بحثًا عن مستقبل جيد لأبنائها، أنْ ننظر لها  بعين التقدير والاحترام لا الترفع والازدراء.      لذا أرى من الواجب مناشدة الجهات المعنية في البلاد لأخذ هذه الفئة بعين الاعتبار لتصحيح أوضاعهن الوظيفية، فإنصافهن هو حق من حقوقهن الإنسانية.

بقلم : م.صبا العصفور

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *