ذكريات لا تلبس الماركات

دخلت “ندى” البيت ليلة العيد متعبة، صرفت وقتًا طويلًا في اختيار ملابس فاخرة لأطفالها، وفي الصباح بدا الأطفال كصور المجلات، ولكن بدون ابتسامة، فقد كانوا يريدون اللعب، القفز، تناول الحلوى، لكنها طوال الوقت كانت -بنيّة طيّبة- تردد: “لا توسخوا ثيابكم!”، قبل الغروب سألتها أمها بهدوء: “هل تظنينهم بعد عدّة سنوات سيتذكرون شكل ملابسهم؟ أم كم مرة قلتِ (انتبه)؟”.

انشغل الأب بتركيب أرجوحة في الحديقة، فاتسخ بنطاله وتمزق قميصه من ناحية الكتف، ثم صاح أحد أولاده ضاحكًا: “بابا، شكلك مثل سبايدرمان تعبان”، ضحك الأب وقال: “المهم إن الأرجوحة تشتغل”.

قضت “ليلى” وقتا طويلا في المطبخ لتحضّر أصنافًا كثيرة للعشاء احتفاءً بعودة والديها من سفرة علاج طويلة، لم تجلس مع أولادها الذين يرون أجدادهم تلك الفترة، بعدها همست لها الجدة: “طبق واجد يكفي، لكن دفء حضنك بوجودنا لا يُعوَّض”.

قال طفل لأبيه في إحدى الليالي: “تعال نحضر المباراة سويًا!”، ردّ الأب وهو يراجع أوراقًا: “لاحقًا، عندي شغل سيحقق لي أربحا كثيرة”، وفي اليوم التالي أخرج الطفل مدخراته من الحصالة ووضعها في يد أبيه وقال: “هي لك، تعال اليوم بس.”

فرشت “سارة” بطّانية قديمة على العشب في حديقة الحيّ، ركض الأطفال وعادوا بأوراق شجر وعلب عصير فارغة، بنوا بها “سوقًا صغيرًا”، فجلست “سارة” تشتري منهم بخيالها وتضحك من الأسعار الغريبة، وقبل أن يعودوا التقطت لهم صورة، لا لأن ملابسهم أنيقة، بل لأن ضحكاتهم صادقة، وفي المساء قال أحدهم وهو يضع رأسه على الوسادة: “ماما لقد كانت النزهة الأجمل!”.

في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، وفي خضم السعي لاقتناء الكماليات، يغيب عن بال كثير من الآباء والأمهات أن الذكريات الجميلة لا تُشترى، وأن لحظات الطفولة لا تُختزن في نوع الثياب أو عدد الألعاب، بل في الدفء والقرب، ليس هناك خطأ في أن نُهدي أبناءنا شيئًا جميلًا لكن الأجمل أن نهديهم أنفسنا، فالطفولة لا تحفظ أنواع الماركات، ولا تتذكر أشكال الأطباق، لكنها لا تنسى من شاركها الضحكة أو جالسها المتعة أو دفع لها الأرجوحة.

نحن لا نعيش في الصور، إنما اللحظات، فأي استثمار نريد فعلاً؟ في الكماليات أم في الذكريات؟

بقلم:م.صبا العصفور

مقالات ذات صلة

الصرّاف الآلي

انتظر إجازة نهاية الأسبوع لألتقي بأهلي وأقربائي في منزل العائلة الكبير حفاظا على استمرارية الروابط الأسرية والعلاقات الحميمية خاصة بين الأجيال الثانية والثالثة من الأبناء…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *