حياة واحدة تكفي
هل تكفي حياة واحدة؟!.. قلّما تجد من البشر من يقول أن حياته كانت تتسع لأمانيه وأحلامه، حتى لهؤلاء الذين أزفت أعمارهم واقتربت آجالهم، تجدهم غالبًا ما يتحسّرون كيف انسابت سنواتهم وضاعت، ليعلنوا في قرارتهم أن حياتهم لم تكن أبدًا كافية.
شئنا أمّ أبينا، رضينا أمّ سخطنا.. نحن لا نملك إلاّ حياة واحدة نحياها، لا تتكرر ولا يمكن شراء غيرها أو توسل استنساخها. لكنّا ويالسخرية بني الإنسان نهدرها في العدو خلف ما نظن واهمين أننا نحتاجه ونريده، والبحث عن مظاهر للسرور سرعان ما نكتشف أنها لا علاقة لها بالسعادة التي تتوق لها أنفسنا، ونحيا جلّ أعمارنا نتخبط هنا وهناك تتقاذفنا القشور متغافلين عن كل ما يجعل لحياتنا معنًى وقيمة حقيقية. لنعي بعد مضي العمر والأيام أننا أهدرنا أعمارنا وهي أثمن ما نملك على لا شيء. .
بموازاة مرارة هذه الحقائق وقسوتها، فإن عذوبة اللطف والرحمة الإلهية لم تذر بني الإنسان قطّ، ولم تخلّيهم أبدًا وشقائهم دون شعاعٍ من نور أو بصيصٍ من أمل.
نعم.. إنها هبة البداية على موائد الرحمن، وهي الشعاع والأمل الذي نتطلع إليه والملقى على أعتابنا في هذه الأيام من شهر رمضان. هبة البداية هي النعمة الأعظم والأهم، وهي عقار اليأس والإستسلام لكل حائرٍ وكئيب ولكل ثائرٍ على حياته وواقعه. وهي تعني أنه مازال في استطاعتنا أن نبدأ من جديد، مادام في العمر متسع ومادام في الجسد نبض، فإن التغيير يغدو ممكنًا والإصلاح متيسرًا.
لن نتكلم هنا عن معاني شهر رمضان ومضامينه، لأنها أكبر وأسمى من أن يحددها مقال، جنبة واحدة فقط لو سكنّا إليها لتوقّفنا عن إهدار أعمارنا هباء، ولكفتنا خيرًا لما تبقّى من حياتنا وأيامنا، ولغادرتنا كآبتنا وانكشف عنا شقاؤنا. وهو شهر رمضان شهر الحقيقة والإنسان بوصفة رحلة مجانية للتّنقيب عن ذواتنا الحقيقية التي أهملناها، ومحاولة إنعاشها لتخرج إلى العلن وتُفعّل لنمائنا وعمار عالمنا، وكذلك بوصفه عملية إنقاذ كبرى لجنينا المهمل الذي يحتضر، وهو أنفسنا الساعية والتوّاقة لكل ما يجعل لحياتنا غاية ومعنًى.
آن لنا أن نتوقف عن تضييع ما تبقى من أعمارنا، فلسنا نملك إلاّ حياة واحدة، فلننهض بها من جديد في شهرنا هذا، شهر الأقدار، كطفلٍ في مقتبله يتلمس خطاه ويكتشف طريقه ودربه، ويمضي ليشقّ قَدَره ويصنع غايته. ولنصوغ أنفسنا من جديد بمعونة الله، ولنمضي قدمًا في هيكلة حياتنا وبناء ذواتنا. فذلك هو الهدف الأسمى والمغنم الأغنى الذي نستطيع أن ننهله على موائد الله في شهر رمضان.
فإن لم نتغيّر ونُغيّر، وإن لم نقلل من مساحة الحزن والإحباط في نفوس البشر إنطلاقًا من هنا حيث شهر رمضان، وإن لم ننقِّ غاياتنا وأهدافنا وننهض بأنفسنا ونعين من حولنا ابتداءً من هنا حيث أيام الله ولياليه، لتكون أعمارنا جلّها نحياها في خدمة بني الإنسان، لا نستطيع أن نقول أننا شهدنا وأدركنا شهر رمضان.
تكفي حياة واحدة لتحقيق كل شيء وأي شيء.. فقط لو عرفنا فيها رمضان وعشناه على حقيقته.
نعيمة رجب
جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية
naeimaar@yahoo.com
استجابات