لنحيي انسانيتنا
في أحد الأحياء البحرينية القديمة، طرقت البنت الصغيرة باب الجيران وقالت: “أمي تسلم عليكم وتقول زفاف أخي الأسبوع القادم، وعندنا طباخ للغذاء،،، لا تخلون”. جميعنا يعرف انها ليست دعوة لتناول الوجبة فحسب، لكنها دعوة للاعداد والتحضير لوجبة الغذاء المدعو لها جميع الاهل والمعارف. فهذه من أعمال التكافل الاجتماعي التي دأب عليها شعب البحرين بإستمرار. اعتاد الناس مشاركة العمل معا في الافراح والاتراح للمناسبات الاجتماعية، فنرى الأهل والجيران يهبون مسرعين اذا ما علمو ان اسرة ما فقدت عزيزا للقيام بواجب العزاء واعداد الطعام لهم وشراء مستلزماتهم وايضا لرعاية اطفالهم. أو المبادرة بتهيئة المجالس استقبالا للمهنئين لحفل زفاف أو وفاءا بنذر أو ختم القرآن لجار أو قريب.
ولا تقل المناسبات الدينية شأنا عن الاجتماعية فيتكاتف الجميع لتزيين الطرق في ميلاد الانبياء والصالحين او اقامة مواكب العزاء، لا بل شيدو المباني وأوقفوها لهذه الاعمال. فلا نرى حي خالي من مسجد لاقامة الصلاة والتشاور في امور أهالي الحي أو مبنى لتحفيظ القرآن أو مركز لإحياء المراسم الدينية.
جميع هذه الاعمال انما هي لوجه الله سبحانه وتعالي، لا يريدون مقابلها جزاءا ولا شكورا. فالمهام التي كان يقوم بها الناس سابقا بفطرتهم الطبيعية من أعمال البر والإحسان تسمى اليوم “أعمالا تطوعية”. إذن فهذه الثقافة التي ينادي بها العالم المدني اليوم في 5 ديسمبر “اليوم العالمي للمتطوعين” كانت تؤدى بكل عفوية واخلاص بين عامة الناس.
وبمرور الوقت برزت حاجات تنموية وحقوقية لم تكن مألوفه سابقا، فالمزارع الذي يخشى على ارضه من الزحف العمراني ويستنجد ببقية المواطنين والمهتمين للوقوف في وجه تدمير الارض، والمرأة التي تطالب بالمناصرة للحصول على حقها في المشاركة السياسية ومن يهب لنجدتهم وما يقومو به هو من العمل التطوعي أيضا. فاليوم دخلت على مجتمعاتنا ثقافات وقضايا مستحدثة مثل حقوق الانسان وحقوق المرأة والطفل، التمكين السياسي والاقتصادي و المحافظة على البيئة غيرها. جميعها قضايا تخدم المصلحة العامة وتساهم في رقي المجتمع ونهضته وتعزز في مبدأ التكافل الاجتماعي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه “لماذا عزف الناس عن العمل التطوعي؟” أهي مشاغل الحياة؟ أم الاستعلاء على ما يسمى بالمهام الدونية والتي يمكن ايكالها لآخرين مقابل مبلغ مالي؟ أم أسباب أخرى؟ لا يهم، ففي جميع الاحوال ابتعد الناس عن التفاعل مع آلام الاخرين وحاجاتهم وقضاياهم.
هي وقفة تأملية لمراجعة أنفسنا قبل محاسبة غيرنا، هل مازال عمل الاحسان والبر (رغم تطور مفهومه وعالمية انتشاره) له نفس الدافع والتأثير الذي كان يقوم به آباؤنا؟ هل نحتاج يوم عالمي ننتظره ليذكرنا بالاحسان؟ فحري بنا أن نشمر عن سواعدنا الآن وننفض الغبار عن الكسل ليس لمواكبة تطور مفهوم العمل التطوعي عند الغرب، ولكن لإحياء تراثنا الاسلامي والانساني على حد سواء، لنؤدي هذا الدور العظيم في تأثيره والراقي في مفهومه، ولا نبقى في الظل منتظرين ومطبقين ما انتهت صلاحيته في الدول المتقدمه.
م. صبا العصفور
رئيسة جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية
استجابات