النجاح الحقيقي
(كي تكون ثريا لابدَّ أن تكون بخيلا) عبارة قالها أحد الأثرياء من كبار المطوّرين العقاريين وهو يتحدث على المنصّة في أحد المؤتمرات التي عُقدت لتبادل التجارب والخبرات في مجال التطوير العمراني وبناء الأبراج والمجمعات التجارية.
(أريد ربحا بمقدار دولار واحد فقط للقطعة) عبارة أخرى قالها تاجر مبتدئ عارضا ابتكاره للتبنّي من قبل أحد كبار المستثمرين، وابتكاره هذا هو أداة بسيطة تم تصنيعها من إعادة استخدام المواد البلاستيكية لتكون واقيا لمياه ريّ النباتات لتقليل الاستهلاك وضمان الاستدامة للمزارعين والإنتاج.
كلاهما حصد كمّا هائلا من التصفيق والتشجيع، وكلاهما نجح في استثماره وتضاعفت ثروته بالملايين، وكلاهما صار قائدا مؤثرا في قطاع واسع من المهتميّن في ذات الشأن، وبتحليل بسيط بين الأول والثاني يمكن رصد بعض مؤشرات مقومات القيادة لديهما.
فالأول هدفه الأهّم ارتفاع معدّل الأرباح التي سيجنيها من بناء ناطحات السحاب الخرسانية التي لا يستفيد منها إلا أصحاب الدخل المرتفع، لأن عبارة (لابد أن تكون بخيلا) تستند إلى قيمة البخل السلبية التي لها مدلول الحرص الذي يعتمد على المنع والتقتير لا الاقتصاد وحسن التدبير، ولذلك فإن هذا القائد حتما لا يعير الاهتمام الكافي للأضرار المحتملة من قراراته سواء كانت بيئية أو اقتصادية أو اجتماعية، فالغاية بالنسبة له تبرّر الوسيلة.
أما الثاني ورغم اهتمامه بتحقيق أرباحا مادية من ابتكاره الجديد، إلا أن البُعد الإنساني والأخلاقي كان هو المعيار الأول في قراره، بداية استند منتجه على إعادة استخدام مواد بلاستيكية وهو قرار متناغم مع البيئة، وكذلك الفئة المستهدفة هم الفلاحون من ذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون تحمّل نفقات باهظة في اقتناء هذا المنتج المهم، وإن كان ظاهر الأمر خسارته في بداية الأمر، إلا إن شعاره كان الربح القليل المستدام خير من الوفير المنقطع، وأهمية أثره على البيئة والإنتاج والنماء على حد سواء.
فالأول قائدا يتّصف بالجشع والطمع، أما الثاني فهو قائدا أخلاقيا، مؤثرا بشرف، يرى أن النجاح أو المكاسب الناتجة عن مخالفة القيم والأخلاق لا قيمة لها، بل هي خسارة الإنسان لإنسانيته، والذي ينجح في قيادته الأخلاقية لا يحسّن ويطور مجتمعه فحسب، بل يساهم في إحداث فرقا في العالم، فهو يؤمن بأن القرارات المبنية على القيم هي “النجاح الحقيقي”.
بقلم : م.صبا العصفور
استجابات