أما آن لنا أن نعيش بسلام؟

يحتفل العالم باليوم العالمي للسلام في 21 سبتمبر من كل عام، فهذا  اليوم يحمل رسالة عميقة تدعو إلى وقف العنف والصراعات، والعمل على بناء جسور التفاهم والتعاون بين الدول والشعوب.

إلا أن إحصائيات أعداد القتلى في الحروب في تصاعد مستمر..

ففي السنوات الثلاث الأخيرة، شهد العالم زيادة كبيرة في عدد الصراعات المسلحة وعدد الوفيات المرتبطة بها.

في عام 2022 وحده، شهدت 56 دولة نزاعات مسلحة، كما أن الآثار الاقتصادية للنزاعات كانت ضخمة، حيث كلّفت الحروب العالم 17.5 تريليون دولار، وهو ما يعادل 12.9% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي[1].

وأظهرت المراجعة السنوية للصراعات التي أعدها ونشرها المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية[2]  أن هناك 183 صراعاً مسلحاً إقليمياً في العالم عام 2023، وهو الرقم الأعلى منذ 30 عاماً، ناهيك عن الحرب في غزة التي اشتعلت عام 2023 واستُشهد فيها الآلاف من المواطنين المدنيين، ولا تزال هذه الحرب مستمرة.  

وليت أن الحروب تتوقف عند هذا النوع من القتال، بل الأدهى من ذلك أن هناك حروب من نوعٍ آخر ، وهي الحروب الفكرية، والاجتماعية، والمذهبية، والاقتصادية،..وغيرها، وهي لا تقل ضرراً عن تلك الحروب، لأنها الوقود الذي يتسبب في اشتعال الفتن في المجتمعات.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا أصبحت الحروب هي الأساس بدلاً من السلام؟ وما الذي يجعلنا في صراعات مستمرة وحروب مستعرة ليس لها نهاية؟ علماً بأن الإنسان مجبول على السِلم والسلام، فما الذي أعطب فطرتنا السليمة؟

حين نتأمّل في مجتمعاتنا سنجد أن أحد أهم أسباب فقداننا لسلامنا الداخلي، وسلامنا المجتمعي هو  غياب  ثقافة السلام، وسيادة  موجات الكراهية والتطرّف والتعصّب والتشدّد.

إنّ ما يحدث حولنا من دمار وخراب وفقر  وجوع لا يسمح لنا بأن نقف مكتوفي الأيدي، بل لا بدّ من التحرّك السريع وبذل الجهود لإحلال السلام في بلداننا. علماً بأن السلام ليس مجرد غياب الحرب، بل هو وجود العدل والمساواة، واحترام حقوق الإنسان، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة للجميع.

ولتحقيق السلام لابد من نشر ثقافة السلام بالدخول في السلم كافة ونبذ العداوات والخصومات مهما كان مصدرها،

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (البقرة/ 208)

وبما أن “شعار” اليوم العالمي  للسلام في عامنا هذا هو “الأعمال من أجل السلام: طموحنا لتحقيق الأهداف العالمية”.

ينبغي أن نعمل على تطبيقه على أرض الواقع، لنرى كيف أن أعمالنا الفردية والجماعية ستؤثر على السلام العالمي وتعززه.

فتحقيق السلام لا يقتصر على الحكومات والمؤسسات الدولية فحسب، بل يمتد ليشمل دور الأفراد والمجتمعات،  إذ يمكن لكل شخص أن يكون مساهماً في صنع السلام من خلال تعزيز الحوار والتفاهم، ونشر ثقافة التسامح والحوار 

والاختلاف، ونبذ العنف بكل أشكاله، والعمل على حل النزاعات بالطرق السلمية.

أمّا على المستوى المجتمعي،  فيمكن القيام بالمبادرات المحلية، مثل برامج التعليم والتوعية التي تساهم بشكل كبير في نشر ثقافة السلام بين الأجيال الجديدة، وتنشئة أجيال مستوية نفسيًا وقادرة على تحمّل أعباء الحياة العصرية واستيعاب مشاكلها.

قد يقول البعض: لا فائدة من ذلك، وسيطول انتظارنا لرؤية ثمرة جهودنا في بلداننا، ولكن أليس العمل من أجل تحقيق السلام ولو بشيء بسيط أفضل من الوقوف عاجزين نندب حظّنا ونُلقي اللوم على الآخرين؟!

ولنا في تجارب بعض الدول عِبرة، ومنها جنوب أفريقيا، و (راوندا) التي استطاعت أن تُنهي الحرب الأهلية المريرة لتبدأ في التنمية الشاملة بإطلاقها أوّل قمر صناعي لها في الفضاء، ولتكون أحد الاقتصادات الأسرع نموًا في العالم وفقًا لصندوق النقد الدولي.

وفي كل الأحوال يبقى السلام مسؤوليتنا المشتركة، وهدفًا يستحق أن نسعى جميعًا لتحقيقه.


[1] Stockholm International Peace Research Institute (SIPI)

[2] The International Institute for Strategic Studies( IISS)

بقلم : د.وجيهة البحارنة

مقالات ذات صلة

أسمـاء رجـب: (نزاعات الدول الإسلامية وانهيار السـلام المجتمعي يخدمان الآخـر)

المنامة: حمدي عبد العزيز الانخفاض في مؤشر السلام العالمي وتوسع جغرافيا النزاعات في العالم الإسلامي، دفع جمعية البحرين النسائية والمؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار الوطني، إلى…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *