الحلقة النقاشية الثالثة ..إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان
دعا الباحث بجمعية التجديد الثقافية الشيخ أحمد العريبي إلى حصر الطلاق في لجان مختصة بالأحوال الشخصية تابعة لإدارات الدولة، رافضاً إن يتم الطلاق عبر القضاة الشرعيين. كما أوصى بضرورة وضع مدونة أحكام أسرة تُبنى بنودها وفق المباني الفقهية المتجددة المراعية للوعي المقاصدي المتناغم مع الوعي الحقوقي.
كان ذلك في الحلقة النقاشية الثالثة (إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان) التي نظّمتها جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانيّة ضمن سلسلة الحلقات التابعة لمشروع (المرأة.. نظرة تجديدية)، وذلك يوم السبت الموافق 2 يناير 2010م بمركز المعارض.
استضافت الحلقة النقاشيّة الشيخ أحمد العريبي الباحث بجمعية التجديد الثقافية والأستاذة الدكتورة نائلة السيليني المستشارة الدوليّة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وكما وتحدّث المحامي عبدالله الشملاوي بإسهاب عن واقع المحاكم البحرينية، واستعرض مقترح لوثيقة زواج متطورة تحل الكثير من الإشكالات الحالية راجياً أن يتم إقرارها، إضافة للاستماع لعدد من التجارب والشهادت الحيّة لقضايا الطلاق والخلع المرفوعة في المحاكم.
وناقشت الحلقة الثالثة الإشكالات الفقهية والحقوقية القانونية لقضية الطلاق وما يستتبعها من نفقة وسكن وحضانة، حيث استعرضت الدكتورة نائلة السيليني في ورقتها (الطلاق في قوانين الأسرة: بين المرجعية القانونيّة والمرجعية الفقهيّة) تجارب الدول الإسلامية المعاصرة في مجال الطلاق متمثلةً في النموذج المصري، وقوانين دول المغرب العربي وبالتحديد التجربة التونسية.
وفي محور الخلع قال الشيخ العريبي “إنّ المبدأ الأخلاقي الحاكم للعلاقة الزوجية مبنيٌّ على قاعدة (وعاشروهن بالمعروف) فإنه حين تُقطع هذه العلاقة وتضطر الظروف القاهرة إلى إنهائها فإن المبدأ الأخلاقي يبقى هو هو لا يتغير لصريح قوله تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) بل حال التسريح ينبغي فيها توفير حالة الإحسان وهو حال أرقى من المعروف؛ ولعله من أجل التعويض بعد المفارقة التي من المفترض أن تمتد بالمعروف حتى يقطع الأجل أمدها، واشتراط الزوج المغالاة في الفدية هدم لهذا المبدأ الأخلاقي الرفيع وتجاسر على القيم القرآنية”.
ورفض الشيخ العريبي استغلال بعض الرجال لحاجة المرأة للخلع وطلب الفدية بالسقف الذي يحدده الرجل حتى وإن كان متعسفا، مشيراً إلى أن “الآيات القرآنية فيها دليل صريح على تحديد الفدية (مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) أي هو بعض مما آتاها لا كلّ ما أتاها، فما يُشاع عند الناس حيث لا سقف يحدد هذا الحق، أمر لا دليل عليه بعد التأمل في الآية: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إلا أَنْ يَخَافَا ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) فأين دليل الزيادة والمغالاة في الفدية؟”.
وقالت الدكتورة السيليني إن المجتمعات الإسلامية لا تزال إلى اليوم في جدل صاخب حول الخلع، بل نشأت أدبيات تسعى إلى التنديد بالمختلعة ووصفها بصفات هي أقرب إلى المرأة المستهترة منها إلى المرأة الشريفة. واعتبر طلاق الخلع مظهرا من مظاهر التفكك الأسري، كأنّ أصناف الطلاق الأخرى حافظة لتوازنها. بل سار في ألسن المتحدثين الجزائريين وصف الخلع “بالتسونامي”.
وأكّدت السيليني “إن كان الفقهاء في القديم أوفياء إلى أعرافهم فإنّ هذه الأعراف صارت الآن قاصرة عن الاستجابة إلى حاجيات عصرنا الحاضر، ولذلك فإنّ الاندفاع إلى القوانين الدوليّة التي تنزع جميع أشكال التمييز بين المرأة والرجل أمر لا يمسّ بالدين لأنّ هذه القوانين هي الأقرب إلى روح التغييرات الطارئة على المجتمعات المعاصرة، ولا خوف على هذه “الأمّة” إذا ما مكّنت المرأة العربية من جميع البنود الحافظة لحقوقها التي تترجم عن إنسانية الإنسان”.
وأكّدت الدكتورة سرور قاروني رئيسة جمعية البحرين النسائية في مداخلة رئيسية على ضرورة وجود قضاة نساء يتفهمون المرأة ونظرتها للأمور، قائلةً “عندما يكون هناك قاضية امرأة فالإحساس بالأمان الذي تشعر به المرأة وهي تدخل المحكمة مختلف تماماً، ويؤثر في طريقة شرحها للمشكلة، مما يُمكّنها من طرح الأمور بشكل أفضل”. وأضافت “هناك بعض الأمور التي تخجل المرأة من قولها وتكون هي جذر المشكلة، ولكن عندما تكون هناك قاضية امرأة سوف يسهل على المرأة قول ما تريد”. وكذلك بالنسبة لاختلاف مفهوم أو تعريف وقوع الضرر بالنسبة للمرأة والرجل فعندما تسمع القضية امرأة فسوف تتفهم معنى وكم الضرر الذي يقع على هذه المرأة”.
واعتبرت د. قاروني دخول المرأة مجال القضاء على الأقل في أحكام الأسرة من الأمور المهمة التي نحتاج لوضعها في الاعتبار إضافةً لإصلاح النظام القضائي بشكل عام.
من جهة أخرى أكّدت مديرة مشروع (المرأة.. نظرة تجديدية) أسماء رجب أن الحلقةُ النقاشيةُ الثالثةُ وقبلَ الأخيرة تهدفُ إلى استعراضِ مفهومِ الطلاقِ في ضوءِ الآيةِ الكريمةِ (إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ) مع وضعِ الآلياتِ التي تحققُ مقاصدَها على مستوى القضاءِ الشرعيِّ والقوانينِ، وإيجاد مقترحاتٍ لقوانينٍ واستراتيجياتٍ عمليّة تفعيلاً للتسريحِ بإحسان، تضمنُ حقَّ المرأةِ في النفقةِ والسكنِ والحضانةِ.