كوارثنا صُنعت بأيدينا
يحكى أن رجلا جاء للغابة وبيده فأس، وتوسل إلى الأشجار أن تعطيه غصناً صغيراً يريده لغرض ما، ولأن الأشجارَ طبيعتُها الإحسان، أعطته إحداهن غصنا منها.
فما كان من الرجل سوى أن ثبّت غصنَ الشجرة المهداة له برأس الفأس المكسورة يده، وسرعان ما شرع في تقطيع الأشجار واحدة تلو الأخرى بذلك الفأس.
حينها، أدركت الأشجارُ كم كانوا حمقى في تزويد الرجل بوسيلة تدميرِها..
وهناك حكمةٌ تقول: ما يؤلمُ الشجرةَ ليس الفأس، ما يؤلمها حقا أن يدَ الفأس من خشبها
القصةُ والحكمة السابق ذكرهما عن الأشجار التي تساهمُ في ضررها بنفسها، هي قصةُ الإنسان وتضررُه من ذاته. فأغلبُ الكوارث الطبيعيةِ التي تضررنا منها يمكن عنونتُها ب “صُنعت بأيدينا”. فكثرةُ الفيضانات وحرائقُ الغابات وموجاتُ الحر وغيرها ما هي إلا نتاجُ صنعِنا، وكلنا مشتركون في الفعل والضرر معاً. فمن يحرق الغابات لتحويلها لأراضٍ يشيّد عليها المصانعَ أو يزرعها بغلات سريعة الربح، يشترك معه من يحرك عجلةَ تصنيعه بشراء منتجاتِه، وكذلك الحال لكثير من الصناعات، فكلنا إما أساسٌ للفعل المُدمر للبيئة أو مساندٌ له.
ولا يكفي أن نتألمَ لما يحدثُ لنا من كوارث، كما تألمت الشجرةُ، فهي لا تستطيعُ كفَ الأذى، لكننا نستطيع، وكل خطوةٍ يقومُ بها أيُ فرد منّا لاستعادةِ حيوية بيئتنا هي خطوةٌ أساسية سيكبر تأثيرُها حين تلحقها خطواتُ الآخرين، وستخفف آثار تغيّر المناخ، وانحسار التنوع البيولوجي، وغيرها من القضايا والأزمات المرتبطةِ باختلال النظام الإيكولوجي لكوكبنا. ويمكننا البدءَ بخطواتٍ بسيطة مثل:
عقلنةِ الاستهلاك، وسينتجُ عنه بالطبع تقليلُ النفايات، يقول البروفيسور جيرالد زالتمان بجامعة هارفارد إن 95٪ من قرارات الشراء هي نتاج اللاوعي، بمعنى أن أغلبَ قراراتِنا للشراء هي انجرارٌ للعمليات التسويقية التي تستهدف العقلَ الباطن لتخلقَ للسلعة احتياجا نفسيّا لنشتريها، ولم نكن بحاجة لها قبل ذلك. وسلعة وراء الأخرى يعني مضاعفة الإنتاج اللامسئول وزيادة المخلفات، وكلها تستلزمُ مواردَ وطاقة. والعقلنةُ تمتد لقرارات تقليل الاستهلاك في الكهرباء، في الماء، في الوقود، وغيرها، فبمجرد أن يقررَ أيُ منّا عزمَه على المساهمة في حمايةِ الأرض سيجدُ مواضعَ لعقلنة استهلاكه، خاصة أن النتيجة هي أولا واخراً لحماية نفسه وغيره.
الأمرُ الآخر هو التشارك، فعمليةُ المشاركة في الهم البيئي تعمل على وجهين، الأول أن الفردَ سيكون أكثرَ التزاماً حين ينضمُ لجهود الأخرين (جمعيات، مواقع بيئية الكترونية، نشرات بيئية، مبادرات أو مشاريع. .الخ) فكلها مصادر تغذية بالمعلومات والتحديثات وتجارب الأخرين، كما ستلهمه لمواصلة التعرفِ والتوسع في الشأن البيئي، وتلقائيا سيتجاوزُ نفسَه ويكون عاملَ تأثير في الاخرين وعن فهم ووعي وتجربة.
لقد تغلغلنا في المشاكل التي سببناها للبيئة وتأخرنا في المعالجة، فلا نستمرُ كما كنّا نكسرُ قوامَ حياتنا بأيدينا.
منى العلوي
مستشارة برنامج المواطنة البيئية
جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية