الأمل على أشلاء الألم
من المحيّر بحق، كيف لا تتحقق العدالة في حياة الأجيال المتعاقبة من النساء سوى في اقتسام الألم وتشاطر الشعور بالظلم، فالحظوظ في ذلك متساوية في كل أصقاع الأرض ومنذ قديم الأزمان، بلا فرق للون أو عرق أو دين، ففي الوقت الذي كانت فيه المرأة في العهد الإقطاعي بأوربا تعاني مما يسمى “بحق الليلة الأولى” والتي تبيح للسيد النبيل قضاء الليلة الأولى مع عروس رقيقه، كانت المرأة في الشرق تعاني كجارية ومحضيّة في قصور الملوك والسلاطين تعامل كقطيع حيواني بلا أحاسيس أو مشاعر. وفي الحقبة التي كانت فيها النساء في الهند تحرق إذا مات أزواجهنّ وتقدّمنَّ كقرابين للآلهة، كنَّ في الصين يرزحن محتقَرات ويعاملن كالمعتوهات ويُحرص على تجريدهن من كافة حقوقهن.
إنه الألم العابر للقارات والمظلمات التي لا تعرف حدود بين الدول والحضارات تلك التي عرفتها المرأة في تاريخها الشجين، واللغة الحزينة التي جمعتها بنظيراتها في كل أمم الأرض. بالرغم من تأكيد ديانات السماء على حريتها وكرامتها وكافة حقوقها الإنسانية وسعي المصلحين لكي يرفعوا عنها خباء الظلم والإمتهان، إلاّ أن بساط الغبن الطويل والممتد ما فتأت ومازالت تسير عليه منذ قديم الأزمان.
نعم، قد تحققت منجزات لا ننكرها وتم تجاوز عقبات تِباعاً لا نغفلها، وتم طيّ الكثير من الصفحات المرزية والمزرية في التعامل معها ومع حقوقها. لكنَّ طعم المرارات مازال على شفاه كثير من نساء العالم نتيجة انتهاكات بقت على حالها دون تغيير، وحقوق بديهية مازالت تسلب منها كل يوم، والجناة فيها تقنّعوا وتذرّعوا بقوانين وأعراف ومسَك بعضهم بجلباب مشوه للأديان، ليبقى الألم أخيراً هو القاسم المشترك بين كل نساء الأرض.
من ذلك الواقع الذي لا يفرّق بين امرأة وأخرى ومن اتحاد الآلام مع بعضها، لننطلق كذلك إلى اتحاد في الخلاص والحلّ. في هذا اليوم العالمي للمرأة لنبدأ سعينا ونضاعفه في أن نحاول قصارى جهودنا تغيير هذا الواقع البائس، ونجعل من الألم المشترك رمز وأساس للوحدة بين كل نساء العالم على اختلاف أعراقهنّ وأديانهنّ وألوانهنّ. فالإتحاد في رفض الألم والظلم لا يحتاج وحدة ثقافة أو جغرافيا أو دين، فيكفي أن يتجرّع الجميع من كأس الظلم ليتوحدوا لردّه، فالتفرق في ميدان هذا النضال يزيد المرأة ضعفًا ويزيد حقوقها انتهاكًا وسلبًا.
في يوم المرأة العالمي نحتوي حلمًا، نتمنى أن يرى النور ويأخذ طريقه للتحقيق ونعيشه يومًا، نتمنى أن يتبلّور صوت عالمي جامع بامتياز – ونؤكد على كونه جامع- لكل نساء الأرض على اختلاف ثقافاتهنّ وأيدلوجياتهنّ ومواقعهنّ الجغرافية – وليس لفئة ذات ثقافة ورؤية محددة -، ويضعنّ هنَّ لا غيرهن أبجدياته وأهدافه من عمق معاناتهن المشتركة، ولا يغفل عن أي مكون نسائي في العالم، وتراعى فيه الخصوصيات والثقافات المختلفة ولا يثير حساسية لأي طرف، بحيث يقبله من هو في أقصى الغرب ولا يعارضه من هو في أقصى الشرق. بشعار واحد ونداء موحد يتم الضرب في كل مكان على أوتاره، للدّعوى لذات الحقوق المسلوبة والمتفق على أحقيتها لكل نساء الأرض، وهذا الصوت “متمثلاً في أي كيان معتبر قديم أو مستحدث” يستطيع تحقيق ما يصبو إليه حقيقةً وتحويل كل ما يخطط له إلى واقع ملموس، مع ما يتطلب ذلك من فاعلية عمل كبيرة وتنسيق عالٍ وفاعل وآليات مستحدثة وإبداعية، كما يتولى تأسيسه رائدات منتخبات من مجتمعاتهن ذوات مؤهلات متميزة من كل أمم الأرض – وهذا كله هو غير ما يوجد الآن فالمنظمات والإتحادات على تعدّدها وكثرتها إلاّ أنها عجزت عن تبديد ورفع الكثير من المظالم والآلام عن كاهل المرأة اليوم، ربما لأنها هي نفسها تحتاج لتحديث وتجديد وإبداع كبير في ابتكار آليات أكثر فاعلية لتحقيق أهدافها وتفعيل خططها-.
نعم، إنه حلم ولد في صدورنا ونمى فيها وإن كان بعيدًا عن متناولنا اليوم، لكنّنا نبثه لكل نساء الأرض ليمهدنَّ الطريق ويرصفن الأرضية لتحقيقه يومًا، وذلك عبر توثيق عرى التواصل وإيجاد المشترك العالمي فيما بينهنّ مهما تباعدت ثقافاتهنّ وأيدلوجياتهنّ وأعرافهنّ، والخروج من جو الشك والريبة وهجر التحدّي المهلك للطاقات قبالة بعضهنّ. علَّنا بعد كل ذلك نرى الألم الذي تقاسمته كل النساء قد تحول وأصبح وحدة واتحاد، وابتكار لآليات عمل مشترك جديدة وإبداعية تقودهنّ إلى نيل كل ما عجزنّ عن إدراكه منفردات ومتفرقات. لتغدو أخيراً وحدة الألم هي بوابة تحقيق العدالة والإنصاف لكل نساء الأرض.
نعيمة رجب
جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية
استجابات