كسر الصمت

تشير الأرقام والإحصاءات إلى حقائق مرعبة، عن مقدار العنف ضد المرأة في دولنا العربية، ورغم أنّ هذا العنف ظاهرة عالمية غير مختصة ببلد دون آخر، حيث تتعرض له واحدة من كل ثلاث نساء في العالم، بأيّ شكلٍ من الأشكال، إلاّ أن طابع هذا العنف في الدول العربية يأخذ منحىً مختلف – ويلفّه صمت غير مفهوم-، فأغلب ما تتعرض له المرأة عندنا تسوّغه معطيات ثقافية ذات بعد ديني، قد أصابها تشويه كبير عبر الأجيال والقرون، وأعراف متجذّرة وراسخة في وعيّ الناس ما جعلها ذات طابع مقدّس لديهم، ناهيك عن ظروف أخرى تجعل من ممارسة العنف ضد المرأة فعل مبرر.

فزواج الصغيرات مثلاً والذي أفرز ضحايا ومآسي غير خافية على أحد نشهدها كل يوم، وهو منتشر في كل الدول العربية ويصل نسبته في بعضها الى 45% (1) ، هذا العنف برّره موروث ديني مغلوط أباحه، كما أن الظروف الإقتصادية البائسة لكثير من المجتمعات قد دفعت باتّجاهه، فهو الحل للأب المحتار في كيفية إطعام أفواه أولاده الجائعة، فتزويج الصغيرات هو تقليل من العبئ المفروض على عائل الأسرة.

أمّا تشويه الأعضاء التناسلية أو ما يسمى بختان الإناث، والذي أُثبت أنه خطر صحياً على النساء والفتيات فضلا عن أنه يؤدي إلى تدهور الصحة الإنجابية والنفسية للضحية، هذه الممارسة تجد غطاءاً شرعياً يحميها ويضمن استمرارها، وفيها المذاهب الإسلامية تترواح بين الوجوب والإستحباب! ونجد أن هذا العنف منتشر بشكل كبير بحيث يبلغ في بعض الدول العربية ما نسبته 95% (2).

وإن أتينا إلى “جرائم الشرف” والتي تعتبر الجريمة الأكثر عنفاً ضد المرأة في عدة مجتمعات عربية، تجد ما يسندها في قناعة كامنة في أعماق الأفراد أن المرأة تستحق قتلها إن صدر منها -ولو كان شبهة- ما ينافي أعراف وقيم مجتمعها، وإن الذّكر هو أعلى مرتبة وهو المسؤول عن تنفيذ القصاص العادل على الأنثى الضالة والناقصة!!.

أمّا بشأن القوانين فإنّا نرى التمييز ضد المرأة بوضوح تام في أحكام الأحوال الشخصية، حيث نرى التفوق الذكوري بارزاً مع تكريس المرأة في مرتبة أقل من الرجل، ويُبَرر ذلك أنه من صلب الشريعة الإسلامية! وحتى بشأن إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، بالرغم من توقيع ومصادقة غالبية الدول العربية عليها، إلاّ أن الإتفاقية قد فُرّغت من مضمونها لمّا تحفظت أغلب هذه الدول على بنود أساسية وجوهرية فيها، بحجة مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية أو بمعنى أدق ما تعارف لديهم أنه من الشريعة الإسلامية!

بيت القصيد هو أننا إن أردنا أن نعالج العنف ضد المرأة في دولنا العربية يجب أن لا نغفل عن تناول هذه القضية من ناحية دينية وأيدلوجية، لنخرج بحلّ وعلاج، ونرفع ذلك الغطاء الإعتقادي والفكري الذي يسوغ ذلك العنف، وأن نقوم بدراسة علمية دقيقة لكل المناهج التي استقت منها مجتمعاتنا مبررات العنف ضد المرأة، يجب أن نخرج بفهم أكثر عقلانية لشريعتنا، مستمدة من روحها ومقاصدها الجليلة لا أفهام الرجال عبر التاريخ، والذين تأثروا لا محالة بظروفهم وزمنهم.

يجب أن نكسر جدار الصمت ونعّلن ثورة ثقافية، تعيد الأمور إلى نصابها وتشكل وعينا الجديد بأن المرأة هي أكرم وأجلّ من كل ما يحدث لها، وكل مايقع عليها من عنف هو ظلم محظّ لا مبرر له، وقد تقدمنا نحن جمعية البحرين النسائية خطوة في هذا المجال الهام بإقامة الورش والحلقات النقاشية والندوات، إيماناً منا بأهمية مناقشة مفاهيمنا الثقافية والدينية وتصفيتها من كل ما داخلها من شوائب، وقناعتنا أن التغيير يجب أن يكون من الداخل لكي يأتي بثمر حقيقي.

إن العنف ضد المرأة في الدول العربية منظومة جهل وظلام، لابد من اختراقها بنور المعرفة الحقيقية والوعي المتنامي.

نعيمة رجب

جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية

naeimaar@yahoo.com

المصادر:

1- اليونيسيف 2007

2- منظمة الصحة العالمية 2008

مقالات ذات صلة

أسمـاء رجـب: (نزاعات الدول الإسلامية وانهيار السـلام المجتمعي يخدمان الآخـر)

المنامة: حمدي عبد العزيز الانخفاض في مؤشر السلام العالمي وتوسع جغرافيا النزاعات في العالم الإسلامي، دفع جمعية البحرين النسائية والمؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار الوطني، إلى…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *