الإيجابية والسلام

محاولة لا طائل منها أن ينشد المرء سلامًا في أعماقه، دون أن يُشيّد في ذاته بناءً راسخًا من الفكر الإيجابي، والنمط الذهني المتسم برؤية نقاط القوة.. والجمال.. والحكمة في أي محتوى يخوضه في شتى مجالات الحياة. فطريقة رؤيتنا لواقعنا وتقييمنا للصعوبات التي تواجهنا، ونظرتنا إلى أنفسنا وصورتنا الذاتية في خضمّ ما نعيشه من تحديات، وكذلك مقدار ما نحمل من رؤية للأمل في الغد والاستعداد المتفائل لبذل الجهد في سبيل تحسينه. كل هذا يعتبر دعامات أساسية لبناء السلام في ذواتنا.. ذلك السلام الذي لا ينمو إلاّ في قلوب أشرقت بالأمل وأنفس اتسمت بالإيجابية في نظرتها وسلوكها.

حينما نتكلم عن التفكير الإيجابي فإنا لا نتكلم عن إيهام أنفسنا بواقع أفضل من الحقيقة.. ولا نتكلم كذلك عن إشاحة بصرنا عن مشاكلنا وأزماتنا، بل نتكلم عن أسلوب تفكير وحياة يتميز بالتفاؤل والكفاح والصبر، ونظرة طموحة مملوءة بالأمل في التعامل مع النفس والمحيط والظرف.. تحملنا نحو الواقع الذي نبتغيه ونرتجيه. وهو – الفكر الإيجابي- يعني المبادرة في العمل والمثابرة في بذل الجهد في سبيل تحقيق أي غاية مشروعة ينشدها المرء، مشفوعًا ذلك بمقدارٍ عالٍ من الحماسة والعزم والتصميم. والسلام الداخلي هنا لا ينفصل أبدًا عن هذا فهو لا ينمو إلا في رحم الفكر الإيجابي، كالجنين في رحم أمّه يغذّيه بدنها ودمها، ليفيض خارجًا بعد اكتماله ويُترجَم سلامًا وعطاءً وحبًا في كل اتجاه.

ومن زاوية أخرى كذلك فلو أمعنا النظر في أي منجز أضاف للبشرية في أي مجال من مجالات الحياة، فإنّا لا نستطيع عزله عن تفكير صنّاعه من مفكرين ومخترعين ومكتشفين وحملة رايات للحرية والعدالة والحقوق ووو…. وكونهم حملوا في دواخلهم فكرا إيجابيا وروحا متفائلة ونفسا وثّابة وطاقة إيمان بإمكانياتهم وقدراتهم للوصول لما يتمنون، استطاعوا عبرها أن يتغلبوا على الصعوبات والمحبطات وكل ظرف ناوئهم، بل وتمكنوا كذلك من تحويل كثيرٍ منها إلى مساحة من الفرص وإلى تأكيد جديد لمهاراتهم وقدراتهم. وإننا اليوم إذ نتمتع بمستويات متقدمة في الحقوق والعلوم والفنون… ندين لمثل هؤلاء ولما بذلوه من جهود وما حملوه من روح إيجابية وفكر مشرق.

واليوم..

ونحن مازلنا ومازالت كثير من قضايانا ومشاكلنا… تلتمس من أرواحنا انعتاقها من سلبيتها وسوداويتها.. وتنشد من أنفسنا فكاكها من احباطها وتشاؤمها، لنأخذ عبر هذا موقعنا الحقيقي في خدمة قضايا الإنسان ورفع معاناته وتقليل مساحة مشاكله وأزماته وجعل عالمنا مكانًا أفضل وأجمل.

لنشيّد إذن بيت أفكارنا من جديد على أسس صحيحة وقوية، فكل لبنة في هذا البناء لا بد وأن توزن بميزان الإيجابية الحساس، والذي تُقيّم جودة الأفكار فيه على أساس قدرتها على البناء والإضافة الخيّرة لهذا العالم وأنفسنا.. وكذلك على مدى ما تبعثه في ذواتنا من انشراح واشراق ودافعية للعمل، وهذا حتى نصل أخيرًا إلى بر السلام الممتد من أعماقنا حتى محيطنا وعالمنا.

جمعية البحرين  النسائية – للتنمية الإنسانية

info@bahrainws.org

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *