وحتى لا يضيع الأمل

سارة.. طفلة من هذا العالم، تفتح التلفاز كل يوم، لا لتشاهد براج الأطفال، بل لتتنقل عبر الفضائيات الإخبارية المختلفة لترى حال كوكبنا، تتفقد شؤونه هل أصبح أفضل أم الصور نفسها مازالت تتكرر..  دمارٌو حرب.. قتلٌ و فقر.. مرضٌ ومعاناة، إنها تسبق سنها، تفقد طفولتها، ويضيع منها الأمل. سارة طفلة في كل البلدان، في كل بيت وفي كل عائلة، وفي ضمير كل إنسان.

يمر علينا عام، تسبقه عشرات الأعوام، ونحن نحتفل من جديد بيوم الأمم المتحدة، وقد أصبحت التحديات اليوم أكثر تعقيداً والمشاكل أكثر عمقاً، فالحروب لطالما كانت أشدّ فتكاً، والأوبئة تحصد كل يوم آلاف الأطفال، والفقر يزداد ضحاياه وتتزايد بقاعه، والكوارث الطبيعية والتحديات البيئية لا تميز بين فرد وآخر، واللاجئين بالملايين يزدادون كل يوم شقاءاً وبؤساً. وحقوق الإنسان وبالرغم من تعدد الآليات للدفاع عنها، إلاّ أن العالم يشهد كل يوم إنتهاكات لها غاية في الفضاعة.

نحن نعيش زمن الكوارث والحروب، ونتذوق  الظلم والفقر، وفتكت بنا أشدّ الأمراض ضراوة ومازالت تفعل، إلاّ أننا نتحد وكل شعوب الأرض، في طموحنا بأن يعيش أحفادنا عالم أفضل، أكثر نقاءاً وسلاماً ورخاء. وبوصف كوكبنا قرية صغيرة، شديدة التأثير بكل مكوناتها، يجب أن نعمل سوياً متحدين كأمم وأفراد، بإصرار كبير وجهد مضاعف، لإنقاذ كوكبنا واستنقاذ إنسانه. والآن نحن أحوج لأن نفكر لا بمنطق الفرد والعشيرة والجماعة، بل نفكر منطلقين من وحدة الهمّ الإنساني الكبير، وتحديات الكوكب الذي يجمعنا، فلا سلام في بقعة والإقتتال دائرٌ رحاه في بقعة أخرى، ولا يمكن أن يكون رخاء في منطقة، وجارتها في فقر مدقع، اللهم إلاّ أن تكون أنانيتنا قد أعمتنا، ولا أباليتنا قد أفقدتنا تقديرنا، وهذا بالطبع له عواقبه الوخيمة. ولا يمكن أبداً أن ننعم ببيئة صالحة للعيش ومشاكل تغير المناخ وشحّ المياه تعصف بعالمنا.

إننا اليوم نطالب الأمم المتحدة، بأن تكون في موقعها الذي يجب أن تكونه، قطب الرحى في حلحلة كل قضايا كوكبنا، والدفّة التي تتحكم في إتجاه كل أمم الأرض، وتسيّرهم نحو المستقبل المنشود، نريد منها حقها وواجبها في التأثير والفاعلية في كل بقعة، نريد منها الهيبة والإلتزام – والإلزام – في تنفيذ قرارتها، ونريد منها كذلك كما أسمت هي نفسها أممٌ متحدة، لا أن تهيمن دولة واحدة فيها على الكل!

إن العدالة هي ضالة الفرد، والرخاء مطلب شعوب الأرض، والسلام والأمن الغاية العزيزة التي يسعى إليها كل إنسان، وبكل ذلك تعلقت الأمنيات بهذا الإتحاد منذ نشأته ليصل الإنسان.. كل الإنسان إلى المستقبل الذي يحلم وينشد.

إن العمل يجب أن ينطلق من هنا، من إتحاد أمم الأرض، في الصوت الواحد لإنسان كوكبنا، في الهم الواحد للكل وإن ضرب الجزء، فصدى أوجاعه تعبر قارات الأرض. فالأمم المتحدة معنى قبل أن تكون كيان، فهي في روح الإحسان بين المخلوقين، وهي في أنس الجيرة بين أوطان شعوب الأرض، وهي في الإنسان حين يفكر ويهتم دون قيود أو عقبات بأخيه الإنسان، وهي كذلك في صدّ الشر والعدوان.

وأخيراً، وللحق نقول للأمم المتحدة، أنت الأمل.. وأنت القوة، بكل هيئاتك ومؤسساتك في كل بقعة من العالم، فنحن الشعوب نتطلع دوماً إليك، ونعلق أمنياتنا بك في تحقيق ما عجز الآخرون عنه، لسلام كوكبنا ورخاء عالمنا وأمان إنساننا، فهلمي نمضي سوياً متحدين في العمل.. لطفلتنا سارة.. ولكل إنسان..

وحتى لا يضيع الأمل.

نعيمة رجب

جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية

naeimaar@yahoo.com

مقالات ذات صلة

أسمـاء رجـب: (نزاعات الدول الإسلامية وانهيار السـلام المجتمعي يخدمان الآخـر)

المنامة: حمدي عبد العزيز الانخفاض في مؤشر السلام العالمي وتوسع جغرافيا النزاعات في العالم الإسلامي، دفع جمعية البحرين النسائية والمؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار الوطني، إلى…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *