الأم وفقدان الجانب الأبوي في التربية

حرصت أمينة على الاهتمام بتربية ابنها اليتيم بشكل مبالغ تعويضا عن فقد أبيه، فأغدقت عليه بالحنان الزائد ملبيةً جميع احتياجاته ورغباته، من تجهيز ملابسه وإعداد طعامه وحتى تأدية واجباته معتمدا عليها في كل أمور حياته، اعتقادا منها أنها تعوضه عن حنان أبيه المفقود.

فلم تتح الفرصة لأخواله وأعمامه المشاركة معها في تربيته، ظنا منها أنها هي الأفضل في تربيته، كونها أمه، والأعرف بحاجاته ومشاعره ومتطلباته وظروفه ومشاكله، فتخشى من تعنيفه أو زجره أو حتى تقديم النصح والتوجيه له من قبل الآخرين، وترى أنها هي الأعلم في القيام بمهام تربيته، مما انعكس على ارتباطه وتعلقه الزائد بها.

وقد امتدت مبالغتها في الاهتمام به والخشية عليه إلى مراقبته أثناء لعبه مع أقرانه، لئلا يتعرض للأذى، وإذا ما واجه مواقف الخشونة والعنف والاصطدام حذّرته من اللعب معهم، الأمر الذي حرم طفلها من التعلم من أقرانه واكتساب خبرات الحياة إضافة إلى ما فقده من أعمامه وأخواله كنموذج رجولي قوي وصلب لمواجهة تحديات الحياة والانخراط في مجالاتها المختلفة التي تساهم في تطوره وتعلمه كيفية التعامل مع مشاكل الحياة وتحدياتها، والذي يساعد بدوره في تشكيل وصقل شخصيته بطريقة سوية.

إن الطفل وخاصة المحروم من والده، لأي سبب كان كالوفاة أو الانفصال، بحاجة ماسة إلى نموذج أبوي ذكوري يعتني به ويضمه ويلعب معه ويمازحه ويوجهه، ليسهم في بناء شخصية سليمة متزنة، واثقا من نفسه، فينشأ قويا صلبا. هذا النموذج يمكن أن يكون هو العم أو الخال أو الجد أو الأخ الأكبر أو أي رمز ذكوري بديل موثوق به، فيتعلم منه كيفية التصرف كرجل. وبالرغم من بذل الأم لأقصى الجهود وأفضل ما لديها من إمكانيات من الحب والإرشاد والرعاية، إلا أنها لا تستطيع القيام بدور الرجل لتعزيز طبيعته الذكورية.

كما أنّه من الممكن إلحاق الطفل بالنوادي أو الجمعيات الشبابية أو الفرق الرياضية، فالمدربون الرياضيون وأيضا المرشدون والمعلمون في المدرسة كل أولئك سيكون لهم دور في توفير ما يلزم لتكوين علاقات جيدة مع أقرانهم الذكور، وإتاحة الفرصة للدخول في عالم الرجال وبيئتهم، فالطفل بحاجة للنموذجين، الأمومة (البيئة الأنثوية) والأبوة (البيئة الذكورية) لينشأ سويا يتعلم منهما ما يعينه على مواجهة الحياة وتحدياتها وبناء مستقبله.

فالاتزان بين رعاية الأم وحنانها ومحبتها واحتوائها، وبين رعاية رمز ذكوري بديل يحظى بتوجيهاته وإرشاداته ورعايته مهم وضروري لينشأ بطريقة متوازنة لينمو ويكبر كرجل يعرف حياة الرجال وتفكيرهم مما يسهل عليه اندماجه مع الرجال دون أن يشعر بالغربة في البيئة الذكورية كونه عاش في بيئة أنثوية.

بقلم أ. ضوية سيد حسن

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *