كنتم خير أمّة أخرجت للناس

لم تختبر البشرية تجربة متألّقة في حلّ النزاعات وتبديد الخلافات، وتشييد العلاقات على أسس قوية وراسخة كتلك التي صنعها رسول الرحمة محمد (ص). ف قد أتى على قبائل تنافرت وتناحرت وجعل منها أيقونة في الحب والمؤاخاة، عبر خطوات عملية قد يسمها بالبساطة وضعف التأثير من لا يدرك أبعادها الأصيلة ومراميها العميقة. فقد كانت في الحقيقة ضربًا للجاهلية في العمق، وتفتيتًا لحبال الشرّ التي حجزت الفرقاء والخصماء بعيدًا عن تقاربهم وتلاقيهم.

بأعلى قدر من الوعيّ والدراية ونقاء الهدف وصفاء الذات الحاملة للواء التغيير، أرسى الحبيب المصطفى أسس الوئام والسلام بين بني الجلدة شركاء الحاضر، عبر ثلاثية صالحة لكل زمان ومكان، وهي قواعد ضرورية وأساسية في تشييد مجتمعات إنسانية تعيش التفاهم والحب والسلام فيما بينها. أولى هذه القواعد هي التواصل ونبذ التقاطع..، وثانيها المحبة وحلّ الخلافات دونها، وثالثها الحوار واحترام الآخر المختلف دينيًا وطبقيًا وعرقيًا.

وقد فعّل نبي الأمّة هذه كلها وانتصر بثلاثيته في أسوء ظروف ممكنة وأعسر معطيات تحول دونها. حيث ضعف وسائل الإتصال والتواصل وشحّ المعلومات وكذلك قلة الخبرات الإدارية والقيادية في سواه، وهذا كله من شأنه أن يزيد من وعورة الطريق أمامه في تحقيق مراميه التي تتجه نحو التواصل والحوار وترسيخ التفاهم والحب. لكنه (ص) رغم ذلك قد أدار المعادلة باقتدار وحقق غاياته الإنسانية بإبداع إنسان آمن بإمكانية تحقيق العسير وبلوغ البعيد.

أما اليوم، ورغم الإيجابية العالية لزماننا من حيث وفرة المعلومات وتنوع وسائل الإتصال والتواصل وكذلك اتساع وتنوع الخبرات الإدارية، وفوق ذلك كله وجود تجربة الرسول الأعظم في تراثنا وتاريخنا نستقي منها حيث نشاء من مغانم إنسانية وإدارية وأخلاقية. إلاّ أننا نشهد أعلى مستوى من التطاحن فيما بيننا ومن سوء الظن والنفرة، وكذلك التناحر والرغبة  في إقصاء بعضنا بل وحتى إفناءه، بدواعي مختلفة أغلبها تلبّس وهمًا بلبوس الدين والشريعة.

مع هذا الواقع الصادم لحالنا وما نحن عليه، وما المفترض أن نكونه ونحن نعيش خلافه. نتساءل: أين تقع المشكلة؟! أين تكمن الأزمة؟!. هل هو غياب الوعيّ أم تلوّث النية؟ أم هو مزيج بينهما؟، هل هو رجاحة القائد هو ما فقدناه؟ أم هو وعيّ الشعوب وإرادتها هو ما استُلب وضاع؟. أمّ ماذا؟؟

نحن نحتاج لإجراء مراجعة شاملة لذواتنا أفرادًا وشعوب، نكون فيها صادقين مع أنفسنا وبعضنا، ونحن نحاول أن نغيّر من مستقبل أبنائنا، لكي لا يعيشوا أعمارهم كما عشنا أعمارنا ونحن نمارس تخلّينا الإرادي عن كل ما وهبنا إياه نبينا من قيم عميقة وأسس إنسانية رابطة بيننا، موهمين أنفسنا بتمسكنا في القشور أننا أفلحنا وربحنا بديننا ونبينا بينما الحقيقة شيء آخر. إنها دعوة مستمرة لنا أن نخطّ من جديد طريقًا للخير سنّته لنا السماء كخير أمّة أخرجت للناس، نمارس دورنا الأخلاقي والحضاري فيه، ونكون شعوبًا مرشدةً لغيرنا لكل ما فيه الخير والفلاح في كل مجالات الحياة والعلوم والتنمية…، وأن نظفر بحق بنبينا بمحاكاة خطواته وانتهاج ما رسّخه من قيم إنسانية تحكم علاقاتنا وروابطنا ببعضنا وسوانا.

وأخيرًا.. وفي مولد الرحمة لنبي الحب والإنسانية… ننشد لأنفسنا ولسوانا مزيد من الوعيّ والبصيرة، وذلك عبر دراسة ماصنعه (ص) لينشئ مجتمعه المتماسك والمتحاب…، علّنا بهذا نستطيع الإنطلاق نحو عمل حقيقي نصنع به مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.

جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية

bahws@batelco.com.bh

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *